محمد عبد العال يكتب : تباين في اتجاهات أسعار الفائدة .. والتثبيت هو الأوقع !!

يعيش العالم كله موجة تضخمية لم يشهدها من قبل بسب تداعيات كورونا ، بدأت آثارها التراكمية تطل على الدول الصناعية الكبرى ، حيث ارتفعت أسعار الطاقة واضطربت سلاسل التوريد وتضاعفت تكاليف الشحن.

ومع احتمال تسجيل مزيد من الارتفاعات فى إصابات المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون” زادت مخاوف تفاقم تلك الموجة السعرية التضخمية واستمرارها، ومن ثم إمكانية انتقال بعض من صورها ودرجاتها إلى الدول الناشئة بما فيها مصر ، في شكل تضخم مستورد ، نتيجة اعتمادنا علي استيراد معظم احتياجاتنا من المواد الخام ومدخلات الإنتاج والسلع الإستراتيجية من الخارج ، وبالذات قطاع الصناعة الذى يعتمد علي الخامات المستوردة بنسبة 60% ، وهو ما يهدد بارتفاع أسعار السلع المنتجة محلياً.

ويكون الأمر المنطقي أو التأثير المحتمل علينا هو فى إمكانية انتقال بعض درجات تلك الموجة التضخمية المستوردة إلينا، خاصة مع الإرتفاع المتتالي فى تكاليف الشحن.

وهنا تثار علامات الإستفهام التالية:

إلى أي حد يمكن توقع التأثير المستقبلي للموجة التضخمية المستوردة على معدل التضخم المحلي لدينا؟ وهل يمكن أن يرتفع معدل التضخم مستقبلا عن مستهدف البنك المركزي المصري لمعدل التضخم الحالي والمقرر استمراره حتى نهاية عام 2022؟

وحيث تنعقد لجنة السياسة النقدية يوم الخميس المقبل السادس عشر من ديسمبر الحالي ، فهل ستحيد اللجنة عن سياستها التيسيرية التى بدأتها منذ مارس 2020 ، وتعود بالتدريج إلى انتهاج سياسة تقييدية ترفع بها أسعار الفائدة ، فى محاولة لمقاومة الموجات التضخمية السعرية المحتمل ورودها فى الشهور القادمة عبر مستلزمات الانتاج والخامات والسلع التي نستوردها من الخارج ، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بكل أنواعها ومصادرها؟؟

حقيقة الأمر أنه رغم الموجة التضخمية العالمية الراهنة فقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن تراجع معدل التضخم السنوى لإجمالي الجمهورية خلال شهر نوفمبر الماضى للشهر الثاني على التوالي ، وذلك بعد ارتفاعات متتالية علي مدار خمسة شهور سابقة ، حيث تراجع معدل التضخم إلى 6.2% مقابل 7.3% في الشهر السابق ، والأهم تراجع المعدل الشهرى إلى صفر في المائة مقابل 1.7% فى الشهر السابق.

والأكثر أهمية أن معدل التضخم الأساسي لشهر نوفمبر ، المعد من قبل البنك المركزي المصري – والذي لا يدخل فى نطاق حساباته قيم البنود شديدة التقلب أو الموسمية – قد سجل ارتفاعا وصولاً الى 5.8% ، مقابل 5.2% فى الشهر السابق ، وكلا المعدلين ، حتى مع انخفاض الأول وارتفاع الثاني ، إلا أنهما مازالا قابعين تحت حدي مستهدف البنك المركزي حتى الربع الأخير من عام 2022 وهو 7% زائد أو ناقص 2%.

وفي تصوري أنه كان هناك العديد من العوامل التي أدت إلى عدم تأثر معدل التضخم لدينا بشكل حاد بالتضخم المستورد ، فهناك مجموعة من السلع الإستراتيجية المؤثرة فى تركيبة معدل التضخم العام تتحدد أسعارها إدارياً ، مثل البنزين الذي يتحدد سعره وفقاً لآلية تراجع الأسعار العالمية كل ثلاثة شهور ، وبالتالي لن تتأثر أسعار تلك السلع ، والسلع المرتبطة بها قبل نهاية ديسمبر الحالي.

هناك أيضاً مجموعة من السلع التموينية يوجد منها رصيد ومخزون كاف ، وسبق تدبيره بالأسعار القديمة ، وهو ما يقلص من التأثر الفورى بالأسعار الجديدة ، بجانب انتهاج الدولة بعض الإجراءات التي تستهدف الحد من الارتفاعات السعرية ، مثل الإتفاق مع الشركات المنتجة الأسمدة لطرح نسبة كبيرة من إنتاجها قبل التصدير إلى الجمعيات الزراعية والسوق الحرة.

كما أن انتقال الموجة التضخمية المستوردة يحتاج إلى فترة تطلبها دورة الاستيراد والشحن لا تقل عن ثلاثة أشهر فى المتوسط.

كما لعبت السياسة النقدية دورا مهما فى جانب استقرار سعر الصرف وأيضا السياسة النقدية المرنة فى إدارة أسعار الفائدة، وحزم التيسير والمبادرات الرئاسية ، وهو ما ساعد على خفض تكاليف إنتاج السلع للمستهلك النهائي وأدى بشكل مباشر إلى استقرار معدل التضخم ، رغم ارتفاعات الأسعار العالمية.

من تأثير العوامل السابقة يمكن القول أن التأثير المتوقع من التضخم المستورد على معدل التضخم المصري سيكون متواضعاً ، ونتوقع أن يستمر معدل التضخم حتى نهاية العام رقما أحاديا تحت المعدل المستهدف من المركزي.

فإذا ما صحت تلك التوقعات فإن التفكير فى احتمال رفع الفائدة قد يكون أمراً لا مبرر له ، وأن الإتجاه الغالب سيكون فى تثبيت الفائدة.

يعزز ذلك تحقيق الإقتصاد المصري فى الربع الأول من العام الجاري 2021/2022 معدل النمو الأعلى منذ عقدين ، بلغ 9.8%مما رفع معدل النمو المتوقع فى نهاية العام ليقارب ال 5.7% ، وهو ما يتطلب استمرار السياسة النقدية التحفيزية ، حفاظاً على قوة الدفع وتحفيز الأنشطة الإقتصادية وتوطين الصناعة المحلية وزيادة التصدير ، وإتاحة فرص أكثر للتشغيل.

كما أن أحد الأسباب التي قد تدعوا إلى ثبات الفائدة هو التحوط ضد مخاطر محتملة لتولد مظاهر للركود فى بعض القطاعات الإقتصادية ، حيث تلاحظ تسجيل مؤشر مدراء المشتريات الرئيسى ( PMI) الخاص بمصر 48.7 نقطة فى شهر نوفمبر ، مسجلا ذات معدل الانكماش المسجل فى شهر أكتوبر ، وهو أقل من المستوى المحايد ( 50 ) نقطة ، ويعود ذلك إلى مشكلات سلاسل الإمداد العالمية.

ومع زيادة المخاوف من تداعيات متوقعة من المتحور الجديد أوميكرون ،فإنه من الطبيعى أن تستمر السياسة النقدية المصرية سياسة تحفيزية للنمو تقترب من خفض الفائدة ، فإن لم يكن التخفيض حالياً غير مناسب فليكن التثبيت ، أما الرفع فهو أمر قد لا يكون متطلبا عمليا حالياً ، مع الإستمرار في دعم القطاع العائلي بإتاحة حزم من الأوعية الإدخارية بأسعار فائدة مميزة ، لمساندة المدخرين من القطاع العائلى ، وزيادة دخولهم الحقيقية للمساعدة في تنشيط الإستهلاك.

ولم يعد خافياً أن التقارب الحادث فعلا بين الدول المنتجة للنفط أو الدول الصناعية الكبرى المستهلكة له قد أسفر فعلا عن انخفاض ملحوظ فى أسعار النفط ، وهو ما سوف ينعكس على خفض متماثل فى السلع المشتقة والمرتبطة ، وهو ما سوف يؤدى إلى انحسار نسبى فى حدة الموجة التضخمية المستوردة.

بقى أن نذكر أن الخوف من تأثير رفع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لأسعار الفائدة على تدفق الإستثمار الأجنبي غير المباشر في أوراق الدين العام الحكومية هو أمر مؤجل لمطلع العام القادم ، حيث فضلت تلك الدول ومعهم الصين عدم رفع الفائدة هذا العام خوفاً من تداعيات متحور أوميكرون، في الوقت الذي تستقر فيه لدينا المؤشرات الإقتصادية وأهمها استقرار سعر الصرف وتراجع معدل التضخم السنوى العام ، والنمو المستمر للإحتياطي النقدى.

فى ضوء كل العوامل والفاعليات السابقة ، هناك رؤية بأن تتوجه لجنة السياسة النقدية بالإبقاء على أسعار الفائدة كما هي دون تغيير.

محمد عبد العال
الخبير المصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى