دكتور زكريا صلاح يكتب ..فيروس كورونا المستجد وإعادة هيكلة المصارف

استيقظت المؤسسات المالية بين ليلة وضحاها على خطر لا يتكرر ولم يتم مواجهته منذ سنوات طويلة ويصتفه مدراء المخاطر فى الغالب تحت Black Swan event وهى الاحداث غير المتوقعة ونادرة الحدوث والتى تنتشر بسرعة كبيرة مثل هذا الفيروس أى الأحداث ذات إحتمال الحدوث ضعيف جداً والتأثير المادى والمالى يكون كبيرا جداً جداً.

وعلى سبيل المثال فقد أعلن السيد رئيس الجمهورية حفظه الله عن تخصيص موازنة بمائة مليار جنيه مصرى يتم رصدها للتعامل مع هذا الخطر– الا أنه فى إعتقادى سيتكرر على فترات زمنية اقل فى المستقبل بسبب الانتقال الى ما يعرف بالحروب البيولوجية –  وما ان بدأت حالات إصابة تظهر فى مصر حتى بدأ البنك المركزى المصرى يعقد سلسللة من الاجتماعات وتكوين فريق عمل لمتابعة التطورات وتقييم حجم المخاطر والتأثير المتوقع وإصدار مجموعة من التعليمات التى من شأنها تخفيف الخطر والأثار النفسية والاجتماعية والمادية والمالية على المصارف العاملة فى مصر وعلى قطاعات الاعمال وذلك من خلال خطوط ارشادية عريضة وترك التفاصيل لكل بنك وامكانياته وظروفه وعدد الفروع والعملاء التى يتعامل معها وليس من شك أنه سيتولد عنه فى كل الاحوال حجم من الخسائر المالية التى ستتعرض لها البنوك نتيجة للاجراءات المتخذة للتخفيف من أثار هذا الخطر.

مثل هذه الاحداث التى نادراً ما تحدث او غير المتكررة بصورة كبيرة ولكن تاثيرها يكون كبير جداً تحتاج امكانيات وطبيعة إدارية وقيادية متميزة تستطيع إدارة الموقف وإعطاء الثبات والطمأنينة فيمن حولهم ويضعون نصب أعينهم العنصر البشرى أولاً ثم اى شىء يأتى بعد ذلك، ولكن عملية القيادة يجب الا يخلقها الموقف فقط بل يجب التخطيط والاستعداد والجاهزية لأى حدث مهما عظم، لذلك فإن الأمر يتطلب قيام المصارف بعملية إعادة هيكله فى نظم التشغيل وهياكلها التنظيمية حتى تكون قادرة على إستيعاب والتعامل مع الاحداث المتوقعة وغير المتوقع ويجب ان تشمل عمليات إعاادة الهيكلة ما يلى:

  • الاهتمام بإنشاء وتطوير وحدة البحوث داخل المصارف وإدراجها فى الهيكل التنظيمى بخطوط إتصال من شأنها تحفيز وتفعيل هذه الوحدة وحثها على تقديم التقارير والبحوث التى من شانها التأثير على أعمال البنك على مستوى الميكرو وعلى المستوى الاقتصاد الكلى خاصة وان اعمال البنوك كغيرها من الخدمات تتاثر بشكل كبير فى كل ما يجرى داخل وخارج القطر وكذا التغيرات المناخية والبيئية والصراعات بين الدول ومحاولات السيطرة على الدول وبالتالى يجب الاهتمام بتعيين ما يعرف بـ Chief Economist يرأس مجموعة من الباحثين فى مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والبيئية والمناخية وغيرها من الموضوعات ذات التأثير على أعمال البنوك.
  • الاهتمام بصورة كبيرة بإنشاء وتطوير وحدة استمرارية الاعمال وزيادة نطاق الاعمال الخاص بها ولا تكون فى صورة فريق عمل فقط وتوفير الموارد اللازمة لعملها من موارد مالية وعنصر بشرى وهيكل تنظيمى قوى وتوفير التدريب اللازم والبنية التحتيه اللازمة لعمل هذه الوحدة على أن يتضمن ذلك موقع إعادة التشغيل Disaster Recovery Site لإستعادة البيانات والمعلومات والنظم حال التوقف ومواقع العمل البديلة Work Place إذا تعذر القيام بالانشطة والعمليات من المكان المعتاد مع وضع برنامج زمنى لصيانة وإختبار هذه الخطط ، وإختبار مدى تضمين السيناريوهات المطبقة بهذه الوحدة لسيناريوهات العدوى ومعايير الرقابة التى يجب ان تتخذ للحد من إنتشارها والزمن المطلوب لتنفيذ هذه السيناريوهات ومتطلبات التنفيذ وخطط العمل من المنزل وتقليل الاعتماد على الاماكن التى يمكن ان تكون سبب فى انتشار العدوى، والتأكد من وجود الموظف البديل وبنفس الكفاءة والمعرفة فى كل منطقة اعمال وسيناريوهات اختبار الهجمات السيبرانية والتأكد من أمن وسلامة المعلومات وتقييم العمليات المعتمدة على طرف ثالثOutsourcing  وتقييم قدراتهم على توفير الدعم وأنهم انفسهم يملكون خطط إستمرارية أعمال.
  • الإهتمام بصورة كبيرة بوظيفة إدارة المخاطر ورئيس مجموعة المخاطر والعاملين بهذه الادارة وتخصيص ميزانيات تدريب كبيرة لهم وليس من شرط ان يكون رئيس مجموعة المخاطر متخصص فى الائتمان فكما نرى ان الاولويات الان إختلفت لدى البنوك وحجم المخاطر الاخرى أصبح اهم وأكبر تأثيرا من مخاطر الائتمان فمخاطر العدوى والمخاطر السيبرانية ومخاطر العمليات اصبحت تستحوذ على قدر كبير من الاهمية واصبحت ذات تأثير أكبر على البنك من مخاطر الائتمان، هذا ويجب ان يتضمن تقرير المخاطر الصادر عن ادارة المخاطر جزء كبير لتحليل اتجاهات السوق المحلى والخارجى والمخاطر المحلية والخارجية التى يمكن ان تؤثر على اعمال البنك ليست فقط المخاطر المالية ولكن المخاطر البيئية ومخاطر العدوى ومخاطر التغيرات المناخية والمخاطر الجيوسياسية يجب ان يتم الاشارة اليها بتقرير المخاطر والتأكيد على مدى وجود أدوات الرقابة اللازمة للتعامل مع هذه المخاطر هذا بالاضافة الى المخاطر الاخرى غير المالية.
  • إنشاء وتطوير أدارة متخصصة للتحول الرقمى والبنية التكنولوجية ووضعها فى المكان المناسب بالهيكل التنظيمى الذى يعطيها القوة والموارد اللازمة للقيام بدورها والتأكد من وجود خطة زمنية لتحويل معظم عمليات وأنشطة البنك من خلال التطبيقات الالكترونية الامر الذى يمكن البنك فى ظروف العدوى من الاعتماد على عدد محدود من الموظفين وبالتالى الحفاظ على العدد الاكبر وعدم تعرضيهم لخطر العدوى وكذا مع الاخذ فى الاعتبار التسهيل على العملاء وتثقيفهم بمثل هذه العمليات الالكترونية دون الحاجة الى الانتقال الى فروع البنك.
  • الاهتمام بحجم الجهاز الطبى بالبنك وقدرته على ان يكون خط دفاع ضد العدوى والامراض المختلفة التى يمكن ان يواجهها العنصر البشرى بالبنك وتوفير التدريب اللازم للعاملين العاديين بالبنك على الاسعافات الاولية وغيرها وإقتناء الادوات والاجهزة التى يتطلب إستخدامها فى حالات معينة مثل العدوى مثل الكواشف الحرارية وغيرها.

وأخيراً فإن استراتيجية البنك يجب أن تكون مبنية على المخاطر ويتم الاخذ فى الاعتبار كافة المخاطر والمتوقعة وغير المتوقعة عند إعدادها وتخصيص الاموال لوحدات الاعمال المختلفة وتخصيص الميزانيات وعمليات التطوير لكافة القطاعات كذلك يجب ان يكون هناك نوع من التحالفات الاستراتيجية مع بنوك اخرى مثيلة فى السوق يمكن الاستفادة منها فى تيسير الاعمال عند حدوث ظروف معينة.

والله من وراء القصد

دكتور زكريا صلاح – الخبير المصرفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى