محمد عبد العال يكتب .. الفائدة بين أحلام الرفع وواقع التثبيت

تعقد لجنة السياسة النقدية ، المنبثقة عن مجلس إدارة البنك المركزي المصري الموقر ، أولى اجتماعاتها في العام الجديد ، يوم الخميس الثالث من فبراير المقبل ، وفى تصوري أنها في الأغلب الأعم سوف تتوجه للإبقاء على أسعار ‏‏الفائدة  كما هي دون دون تغيير للمرة العاشرة على التوالي ، ‏وهو ما يعني أن مستويات أسعار الفائدة القائمة مازالت مستمرة في اتساقها وتوازنها ، مع معظم المؤشرات الاقتصادية الرئيسية المحلية والعالمية.

فإذا بحثنا عن أهم الأسباب والفعاليات التي قد تدعوها إلى ذلك  سنجد العديد من الدلائل والمؤشرات منها على سبيل المثال وليس الحصر : ‏

أولا : ‏ رغم الاتجاه التصاعدي لكل من معدلي التضخم العام والتضخم الأساسي ، إلا أنهما مازالا مستمرين قابعين تحت النطاق المستهدف من البنك المركزي وهو 7% ± 2% حتى نهاية الربع الرابع من عام 2022.

ثانياً : أرقام التضخم الحالية ، مقارنة بمتوسط منحنى العائد على الجنيه، مازالت تشير إلى صافى  فارق عائد حقيقي موجب معقول جدا ، وهو ما كان يتيح للسلطة النقدية إمكانية أن تقوم بإجراء خفض جديد ، ولكنها تفضل الاستمرار على المستوى الحالي لأسعار الفائدة ، دعماً لمدخرات القطاع العائلي ولإتاحة عوائد مميزة على مدخراتهم ، بما يضمن لهم دخل ثابت يساعد على خلق طلب مشتق على السلع والخدمات ، فلا إنتاج بدون استهلاك وأيضا جذبا لتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وحفاظاً على تدفق الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أوراق الدين العام الحكومية .

ثالثاً : أكدت مؤسسات دولية متخصصة أن معدلات التضخم في مصر تحت السيطرة رغم موجة التضخم العالمية ، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى السياسة النقدية الرشيدة التي يتبعها البنك المركزي المصري من ناحية  ، وأيضا مجموعة الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي والتي نجحت إلى حد كبير  في التخفيف من حدة الموجات السعرية التضخمية المستوردة من ناحية أخرى.

رابعاً : إعلان البنك المركزي الأمريكي أمس الأربعاء إبقاءه على أسعار الفائدة كما هي  وهو الأمر الذي خفف إلى درجه كبيرة من قلق بعض المراقبين من ظهور تداعيات فورية، على استثمارات الأجانب غير المباشرة في أوراق الدين العام الحكومية أو على قوة الجنيه المصري ، ومن الجدير بالذكر أن التأثير الذي كان متوقعا – لو كان المركزي الأمريكي قد قام برفع الفائدة – كان أصلا تأثيرا مبالغا فيه إلى حد كبير ، لأن تنوع مصادر النقد الأجنبي ، واستقرار سعر الجنيه ، واستقرار معدل التضخم تحت الحد المستهدف ، وتميز الجنيه المصري ، من حيث تحقيقه عائدا حقيقيا منافسا ، كل تلك الفعاليات تمثل سياجا حاميا في مواجه تلك المخاوف على المدى القصير والمتوسط ، كما أن توجه مصر لتبنى إستراتيجية للتحول إلى مصادر قروض طويلة الأجل كبديل للأموال الساخنة ، وأيضا دخول السندات الحكومية لمنصة جي بي مورجان وعزمها إصدار سندات خضراء في سوق السندات الدولية سيساعد علي جذب استثمارات جديدة طويلة الأجل يمكن أن تعوض خروج استثمارات الأجانب قصيرة الأجل في أوراق الدين العام المحلية ، إذا ما خرجت بتأثير ارتفاع الفائدة الأمريكية مستقبلا .

خامساً : الذي يؤكد ويحسم الموقف ، الحدث الجديد والهام ، ونقصد به إعلان البنك المركزي المصري عن منح ترخيص لبنك ستاندرد شارترد للعمل فى مصر كفرع لبنك أجنبي ، وهو بنك من أكبر وأشهر البنوك البريطانية ذات التواجد والانتشار الدولي ،  وبالطبع فإن قدوم بنك أجنبي بريطاني في مثل هذا القدر والحجم للعمل في مصر في تلك الظروف التي يواجه العالم كله تحديات كبيرة يعنى قولاً واحداً أن مصر حاليا هي من الدول ذات الاهتمام الأبرز  للاستثمار الأجنبي العالمي المباشر وغير المباشر، وأن السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي المصري هي سياسة ناجحة.

سادساً : في ظل هيكل أسعار الفائدة القائم والمستمر من مطلع العام الماضي وحتى الآن ، والذي يعكس في حقيقة الأمر الأهداف الكبرى للسياسة النقدية وأهمها تحقيق استقرار الأسعار وخفض معدل البطالة ، فقد حققت مؤشرات الاقتصاد الكلى استقرارا شهدت به كل مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ، التي أبقت على تصنيف مصر الائتماني دون تغير منذ الجائحة وحتى الآن ، مع الاحتفاظ بالنظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري ، كما تجاوزت معظم المؤشرات الاقتصادية النقدية والمالية المعدلات المستهدفة.

بناء على ما سبق ومع تأكيدنا أن لجنة السياسة النقدية الموقرة تملك الرؤيا والآليات والمعرفة الدقيقة ببواطن الأمور المحلية والعالمية ، وأنها هي صاحبة القرار ، وكأحد المتابعين لمسار السياسة النقدية نتوقع أن تُبقى اللجنة أسعار الفائدة كما هي عليه.

إن إجراء أي رفع أو خفض للفائدة في الاجتماع القادم قد يكون في غير توقيته ، لأن البنك المركزي يستهدف إتباع سياسة نقدية لموازنة آثار التضخم بعد أن أتم السيطرة عليه ، فرفع الفائدة، ونحن مازلنا في الموجة الرابعة من كوفيد 19 ، قد يؤدى إلى تقليص التعافي والنمو الاقتصادي ،  وخفض الفائدة قد يؤدى إلى انكماش الطلب الكلي على السلع والخدمات ، نتيجة انخفاض القوة الشرائية للمدخرين من القطاع العائلي ، كما قد يؤثر سلباً على حجم وقيمة الاستثمار الأجنبي غير المباشر.

دع أحلام رفع الفائدة .. ولنترك الواقع للتثبيت.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى