بلومبرج : البنوك المركزية تواجه التضخم بأسعار فائدة مرتفعة لمدة طويلة

"الفيدرالي الأمريكي" يتمسك بفرص الهبوط السلس و"المركزي الأوروبي" يتخذ القرار الصعب يوم الخميس

يتحول الاقتصاد العالمي نحو مرحلة من ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة، ما يجعل طوفان قرارات السياسة النقدية المقبلة التي ستتخذ في دول العالم المتقدم أساساً محورياً للتخطيط لذلك الوضع ، بحسب بلومبرج.

وفي الأسبوع المقبل أو ما إلى ذلك، ستُحدد تكاليف الاقتراض في دول 7 من أكثر 10 عملات تداولاً في العالم، ومنها الدولار الأميركي واليورو، مع توقع ظهور صورة ما من تقشف السياسة النقدية الممتد ، وهناك ترقب كبير لنتيجة بعض هذه القرارات.

وفي حين يصعب توقع نتيجة اجتماع البنك المركزي الأوروبي الذي ينعقد يوم الخميس، فإن هناك إجماعاً متزايداً على أن البنوك المركزية التي ستبقي على أسعار الفائدة دون تغيير، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ، ستحرص على زيادة استعدادها لمواجهة التضخم بعد خطئها في 2021.

وكان الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول من المعتاد هو الموضوع الرئيسي الذي ناقشه صُناع السياسة في مؤتمر “الفيدرالي الأمريكي” الذي أقيم الشهر الماضي في جاكسون هول، وايومنغ ، ورغم اختلاف توقيت بداية أعنف دورة من السياسة النقدية التقشفية خلال جيل في الدول المُطلة على المحيط الأطلسي، يظهر في الفترة الحالية إحساس أكبر بالمسؤولية مع اقتراب فرصة إنهاء تلك الزيادات في أسعار الفائدة.

وأول من يأخذ القرار هو البنك المركزي الأوروبي، الذي سيتخذ صُناع السياسة النقدية به قراراً صعباً يوم الخميس، إما بالاستمرار في رفع أسعار الفائدة أو التوقف المؤقت.

وتنقسم آراء المحللين الاقتصاديين بالتساوي تقريباً بخصوص نتيجة الاجتماع، فتراهن أسواق النقد على إقرار الزيادة العاشرة على التوالي في أسعار الفائدة لتبلغ 4% بنسبة 45%، انخفاضاً عن 60% في الشهر الماضي، وعلل المتداولون ذلك بالبيانات التي توضح ضعف الاقتصاد الألماني ، ولم يُستبعد تماماً رفع أسعار الفائدة للمرة الأخيرة بمقدار ربع نقطة مئوية، في حين ترجح الاحتمالات اتخاذ هذه الخطوة بنهاية العام.

 

ومهما كان القرار الذي ستتخذه رئيسة “المركزي الأوروبي” كريستين لاجارد وزملاؤها، يمكن القول إن التحدي الأكبر سيكون إقناع الأسواق المالية بمواصلة التشديد النقدي طالما اقتضت الحاجة للسيطرة على الأسعار، حتى في ظل ضعف النمو الاقتصادي.

وقد تستند لاجارد إلى الأسس التي بدأ محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرانسوا فيليروي دي غالو، وضعها منذ يناير، عندما أشار إلى أن أهمية الفترة التي تبقى فيها أسعار الفائدة مرتفعة تضاهي أهمية سعر الفائدة الفعلي على الأقل، بل ويصر الآن على أن طول الفترة أكثر أهمية.

كما ستسلَط الأضواء على “الفيدرالي الأمريكي” يوم الأربعاء المقبل ، ويتزايد التفاؤل لدى مسؤولي البنك تجاه قدرتهم على كبح جماح التضخم دون التسبب في معاناة اقتصادية جسيمة، فسوق السندات لا تتيح فرصة لرفع أسعار الفائدة في الاجتماعات القادمة، والمحللون الاقتصاديون اتفقوا على استقرار أسعار الفائدة بعد إشارات مسؤولي “الفيدرالي” الواضحة إلى اعتزامهم وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً الشهر الجاري.

ووسط دلائل على تراجع تدريجي للضغوط السعرية وسوق العمل، لا يريد مسؤولو “الفيدرالي” إهدار فرص “الهبوط السلس” للاقتصاد عبر رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم.

وسيعد التوصل إلى نتيجة متوازنة إنجازاً نادر الحدوث، وربما يخفف من الانتقاد الموجه إلى جيروم باول رئيس “الفيدرالي”، لتأخر رد فعله أكثر من اللازم على الأسعار المرتفعة في البداية.

وسيكون محور الاجتماع المقرر له يومي 19 و20 سبتمبر هو التوقعات الاقتصادية المُحدثة، المتوقع أن تدعم رفعاً لأسعار الفائدة مرة أخرى بنهاية العام، مع الإبقاء على أسعار الفائدة قرب أعلى مستوياتها طوال 2024 لضمان عودة معدل التضخم إلى مستهدف البنك المركزي عند 2%.

كما يُتوقع رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية باجتماعه في 21 سبتمبر الجاري ، وبعد 14 زيادة متتالية في أكثر دورة تشديد نقدي قوةً في عقود، قد تكون تلك هي الزيادة الأخيرة، وفقاً للمحللين الاقتصاديين ورهانات السوق ، ويشير توجيه السياسة النقدية الأحدث إلى فارق ضئيل في نتيجة التصويت على القرار.

 

وعوضاً عن المخاوف من التضخم قبل أغسطس، يتزايد قلق لجنة السياسة النقدية من الركود ، حيث ألمح 5 من أعضاء اللجنة التسعة إلى أن أسعار الفائدة عند 5.25% مرتفعة بما يكفي، أو أوشكت بلوغ هذا المستوى.

وتغيرت الرسالة، حيث استخدم كبير المحللين الاقتصاديين بالبنك، هيو بيل جبل تيبل مستوي السطح في جنوب أفريقيا عوضاً عن جبل إيفرست حاد القمة وشديد الانحدار، بمثابة تشبيه لمسار أسعار الفائدة في المستقبل.

وقال أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلتراالأسبوع الماضي إن أسعار الفائدة قرب ذروة دورة التشديد النقدي.

ومقارنة بعديد من نظرائه، فإن البنك الوطني السويسري في وضع أكثر أريحية، ومع انخفاض معدل التضخم عن الحد الأقصى عند 2%، قد لا يضطر البنك إلى رفع أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل.

ولم يتضح مدى إقبال المسؤولين على الاستمرار في رفع تكاليف الاقتراض إذا توقف البنك المركزي الأوروبي عن زيادتها، نظراً للتأثير الكبير للسياسة النقدية في منطقة اليورو في أنحاء الإقليم.

وفي نفس اليوم الذي سيتخذ فيه البنك الوطني السويسري قراره، يتوقع المستثمرون أن ينهي بنك النرويج الوطني رفع أسعار الفائدة بزيادة أخيرة بمقدار ربع نقطة مئوية.

أما بنك السويد المركزي والمقرر عقد اجتماعه في الموعد نفسه، فقد يرفع تكاليف الاقتراض مجدداً أيضاً.

وفي اليابان، يوجد شعور متنامٍ بأن كازو أويدا، محافظ بنك اليابان الجديد يمهد الطريق لتعديل مقبل في السياسة النقدية.

وصرح أويدا في حوار مع صحيفة “يوميوري”، نُشر السبت، بأنه من المحتمل أن يصبح لدى بنك اليابان معلومات كافية بنهاية العام لتوقع إذا ما كانت زيادة الأجور ستستمر أم لا، وهو عامل حاسم في إقرار تقييد سياسة التيسير النقدي الفائق أم لا ، وكان هذا التصريح كافياً لرفع سعر صرف الين مقابل كل عملات “مجموعة الدول العشرة” يوم الإثنين.

وبينما قد لا يفضي ذلك إلى تغيير في السياسة النقدية في الاجتماع الذي سيعقد في 22 سبتمبر، يبدو آخر من حافظ على أسعار الفائدة السالبة بين الاقتصادات الكبرى على وشك زيادتها.

كما اتخذت كندا وأستراليا ، الاقتصادان المعتمدان على الموارد الطبيعية ، قراري سبتمبر قبلاً، ويبدو حالياً أنهما تستعدان لفترة استقرار أسعار الفائدة، حتى لو أشارتا إلى الرغبة في رفعها مرة أخرى إذا اقتضت الحاجة.

وأبقى البنك المركزي الأسترالي على سعر الفائدة الأساسي دون تغيير عند 4.1% في اجتماعه يوم 5 سبتمبر، وحافظ على ميل للتشديد، حيث أنهى فيليب لو ، محافظ البنك المركزي آخر اجتماع له في منصبه مصرحاً بأن التضخم يتراجع.

وبعدها بيوم، أبقى صُناع السياسة بقيادة تيف ماكليم، محافظ بنك كندا على سعر الفائدة الأساسي عند 5%، أعلى مستوياته في 22 عاماً، واعترفوا بوقوع تباطؤ في الاقتصاد، وحذروا من أن مواجهة الضغوط السعرية لغرض خفضها إلى مستهدفهم ستكون شاقة.

وبحسب بلومبرج ، فإن الحجة الداعية إلى وضع أسعار الفائدة المرتفعة المستمرة في أرجاء الاقتصادات المتقدمة الكبرى هي أن هذه السياسة لها آثار مشابهة لزيادة تكاليف الاقتراض بنسبة أكبر وخفضها بوتيرة أسرع، لكن مع تقلب أقل على الشركات والمستهلكين ، لكن الأمر ينطوي على بعض المخاطر، فإذا أُسيء تفسير وقف رفع أسعار الفائدة في ظل استمرار معدل التضخم أعلى كثيراً عن المستهدف واعتُبر تسهيلاً من البنوك المركزية، قد يؤدي ذلك إلى عودة البنوك لمناقشة التشديد النقدي، وقد يتوجب عليهم اتخاذ مزيد من الإجراءات في المستقبل.

ففي منطقة اليورو، على سبيل المثال، لا يمكن إنكار أن التوقعات لا تتوافق مع رغبة صُناع السياسة. رفع المستهلكون في الآونة الأخيرة توقعاتهم للتضخم خلال 3 سنوات، وارتفع مؤشر السوق، الذي فضله البنك المركزي الأوروبي قبلاً، بشكل مستمر ليستقر عند 2.6%، أعلى من مستهدف البنك عند 2%.

وأعربت إيزابيل شنابل، عضو المجلس التنفيذي للمركزي الأوروبي عن قلقها علناً من أن ارتفاع توقعات التضخم في اقتصاد متباطئ قد تتسق مع تحوط المستثمرين من خطر ألا تكون البنوك المركزية حازمة بالقدر الكافي.

 

وفي الولايات المتحدة حذر مسؤولو “الفيدرالي” من أنهم يتوقعون احتمال زيادة النمو الاقتصادي، ما سيؤدي إلى ارتفاع أكبر في معدل التضخم، وأكدوا على أن وقف أسعار الفائدة المرتقب في سبتمبر يجب ألا يعتبر تسهيلاً في السياسة النقدية، فقالت لوري لوجان، رئيسة “الاحتياطي الفيدرالي في دالاس”، في خطاب حديث إن تخطي رفع أسعار الفائدة لا يشير إلى نهاية الزيادات.

لكن في الفترة الحالية، يبدو أن البنوك المركزية راغبة في المجازفة، وتراهن على أن وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً بشكل يحافظ على زيادة عدد الوظائف على النحو الذي تحقق خلال دورة التشديد النقدي، يوفر فرصة أفضل لتحقيق هبوط سلس للاقتصاد.

أما رافايل بوستيك، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا فقال في خطاب ألقاه في “فورت لودرديل” الأسبوع الماضي، إنه يأمل أن يواصل الاقتصاد الأميركي تباطؤه التدريجي خلال فترة الستة إلى ثمانية عشر شهراً المقبلة، دون ارتفاع فوضوي في معدل البطالة.

أضاف: “سيكون من الرائع أن نتمكن من تجنب هذا النوع من التحركات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى