هل يمنح هدوء التضخم البنك المركزي المصري فرصة لتبيث الفائدة الخميس المقبل؟

تعقد لجنة السياسة النقدية نهاية الأسبوع اجتماعها الدوري الثالث في العام الجاري لبحث مصير أسعار العائد الأساسية

محمد عبد العال : تَوقع قرار اللجنة هذه المرة في غاية الصعوبة ويمكن أن يكون “التثبيت” هو الاتجاه والتوقع الأكثر احتمالاً 

سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن وفي المرحلة الحالية قد لا يجدي نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي

توقعات باتجاه السلطة النقدية لاستخدام آليات أخرى جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة في المرحلة القادمة

 

أخيرا هدأت وتيرة ارتفاع التضخم في مصر بنهاية إبريل 2023 ، بعد عدة ارتفاعات متتالية وصلت ذروتها بنهاية شهر مارس 2023 حيث سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق ، ويبقى السؤال المهم .. وهو هل يمنح هذا الهدوء في التضخم البنك المركزي فرصة لالتقاط الأنفاس وتثبيت الفائدة في اجتماعه المقرر له يوم الخميس المقبل؟

وتعقد لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري نهاية الأسبوع الجاري اجتماعها الدوري الثالث في العام الجاري لبحث مصير أسعار العائد الأساسية لدى البنك ، والتي تعد المؤشر الأبرز لاتجاه فائدة الجنيه في الأجل القصير.

وكانت اللجنة قد قررت قررت في اجتماعها الذي عقدته يوم 30 مارس الماضي رفع أسعار العائد الأساسية لدى المركزي بنسبة 2% لتصل إلى 18.25% للإيداع و 19.25% للإقراض ،و 18.75% لسعر الائتمان والخصم وسعر العملية الرئيسية لدى المركزي.

وأكدت اللجنة ، في بيانها المصاحب لهذا القرار ، أن الارتفاع واسع النطاق للتضخم يتطلب المزيد من التقييد النقدي ، ليس فقط لاحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب ، ولكن أيضا لتجنب الآثار الثانوية التي قد تنتج عن صدمات العرض ، وذلك للسيطرة على التوقعات التضخمية للأسعار.

وكشف البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي عن تسجيل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من جانبه ، معدلاً شهرياً بلغ 1.7% في أبريل 2023 مقابل 2.4% في أبريل 2022 ، ومعدلاً شهرياً بلغ 2.5% في مارس 2023.

أشار المركزي إلى أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي سجل 38.6% في أبريل 2023 مقابل 39.5% في مارس.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف أيضا عن تراجع معدل التضخم السنوي بالمدن المصرية إلى 30.6% في إبريل 2023 مقابل 32.7% خلال مارس السابق عليه.

أوضح الحهاز أن معدل التضخم الشهري بالمدن تراجع أيضا إلى 1.7% في إبريل مقابل 2.7% في مارس.

وبحسب الجهاز ،بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية 169.6 نقطة لشهر ابريل 2023، مسجلاً بذلك ارتفاعا قدره 1.8% عن شهر مارس 2023.

أشار الجهاز إلى تسجيل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية 31.5% في إبريل 2023 مقابل 33.9% في مارس السابق عليه ، 14.9% في إبريل 2022.

وأكد البنك المركزي المصري في وقت سابق أن تقييد السياسة النقدية شرط أساسي لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة والبالغة 7% ±2% بنهاية الربع الرابع من 2024 و5% ±2% بنهاية الربع الرابع من عام 2026.

وكان حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري قد أشار في تصريحات له إلى أن مصر اتخذت إجراءات ضخمة للتخفيف من تداعيات آثار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري، وقال : “مستعدون لاتخاذ المزيد من الإجراءات”.

وأوضح عبدالله ، على هامش مشاركته في اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليبن في واشنطن، أن التركيز الأساسي للبنك المركزي المصري ينصب في الفترة الحالية على كبح التضخم إلى نطاق يتراوح بين 5% و9%، بحلول الربع الرابع من عام 2026.

لفت إلى أن البنك المركزي كان يحلل نماذج مختلفة لفهم الدوافع وراء أرقام التضخم، وقد أظهر التحليل أن أرقام التضخم في مصر لم تكن مدفوعة فقط بأسعار السلع، لكن أيضًا بسبب مشكلات على جانب العرض مثل التراكم الأخير في الواردات (في الموانئ) التي نتجت عن اتباع السياسة السابقة.

وشدد عبدالله على أن البنك المركزي لم ولن يتردد في استخدام السياسة النقدية لمواجهة التضخم.

أشار محافظ البنك المركزي إلى أنه منذ مارس 2022، رفعت مصر نسب الفائدة الرئيسية وخفضت قيمة العملة المحلية ، “وهي خطوات مهمة”.

وأوضح عبد الله أن البنك المركزي ووزارة المالية لديهما تنسيق يومي بين السياسات المالية والنقدية من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية المستمرة، مضيفًا ” نعمل عن كثب مع مجلس الوزراء ولدينا كل الدعم من القيادة السياسية”.

وفي رأي محمد عبد العال الخبير المصرفي المعروف فإن هناك صعوبة في توقع اتجاهات أسعار الفائدة لدى البنك المركزي المصري خلال الفترة المقبلة.

قال عبد العال ” ونحن نعيش في أوضاع اقتصادية قاسية ونعاني من معدل تضخم غير مسبوق فإن رد فعل السلطة النقدية في معظم دول العالم عادة ما يكون استخدام أهم وأشهر أداة لمقاومة التضخم وهي رفع الفائدة”.

تابع : ” هذا ما تم بالفعل عبر تعاقب الأزمات في الثلاث سنوات الأخيرة ، بما فيها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، كما تم استخدام تلك الأداة في مصر مع بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وتداعيات جائحة كورونا ، وأيضاً لاحتواء التضخم الذي ساد مرحلة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، حيث تم رفع سعر الفائدة بمجموع 10% على مدار عام ، خلال الخمسة اجتماعات الأخيرة ، وأولها في 21 مارس 2022 وآخرها في 30 مارس 2023 ، حين رُفعت الفائدة بـ 200 نقطة أساس إلى 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض”.

أشار إلى أنه عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري يوم الخميس المقبل 18 مايو الجاري ، وهي صاحبة القرارأياً كان ، رفعاً أو تثبيتاً ، فإن قرارها بالطبع يكون دائماً متوافقاً مع مجريات ومتطلبات تحقيق مستهدفاتها في استقرار الأسعار ومواجهة التضخم.

تساءل عبد العال عما إذا كانت الظروف الاقتصادية المعاصرة التي نعايشها تتطلب الاستمرار في استخدام سياسة رفع سعر الفائدة ، بغرض احتواء التضخم ، أم أن تلك الظروف قد تقتضي في المرحلة القادمة التوجه إلى آليات أخرى جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة؟.

ويجيب ، ” في تصوري أن آلية رفع سعر الفائدة لن تساعد في الأجل القصير والمتوسط في معالجة الوضع القائم المرتبط بالتضخم المصري ، الذي يبدو الآن وكأنه محصن ضد آلية رفع الفائدة ، وأصبح يتأثر أكثر بعوامل أخرى كمتغيرات سعر الصرف أولا ، وارتفاع كل ماهو مستورد ثانياً ، وارتفاع بعض أسعار السلع المحلية المحددة أسعارها إداريا ، ثالثاً ، ولأننا نستورد أكبر بكثير مما نصدر فإن رفع الفائدة يزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري ، وبالطبع زيادة كلفة تمويل عجز الموازنة .. وكلها مؤشرات تضغط على سعر الصرف ، ولأن هناك علاقة عكسية بين التضخم وسعر صرف العملة المحلية فإن أي تخفيض للعملة يعني ارتفاع معدل التضخم ، مع افتراض ثبات العوامل الأخرى”.

و” لذلك فإن فاعلية آلية سعر الفائدة في احتواء التضخم محلياً ، وبعد فترة طويلة من استخدامها ، قد لا تكون هي الوسيلة المثلى حالياً” ، بحسب عبد العال.

أشار إلى أن القول بأن معظم دول العالم مازالت مستمرة في انتهاج رفع الفائدة ، وهي تحاول احتواء التضخم والهبوط به إلى مستهدفاته الموضوعة ، هو أمر مردود عليه ، لأن استخدام تلك الآلية يقتضي أن يتوفر لها بيئة تحتية مالية ونقدية مواتية ، ولكن ظروفنا ومشاكلنا الاقتصادية فى مصر مختلفة عن ظروف ومشاكل دول أخرى مستمرة في محاولاتها مواجهة التضخم برفع الفائدة.

“نحن نختلف نسبيا عن تلك الدول في مدى قدرة آلية رفع الفائدة على التأثير في وقت مناسب في حجم وتغيرات الائتمان ، كما أن هيكل الاقتصاد يتعين أن يكون مرنا بالقدر الكافي ، بما يسمح للتغيرات في أسعار الفائدة بأحداث التغير المستهدف في الأسعار والأجور والدخل والإنتاج والتوظيف ، كما تتطلب أن تكون موارد السيولة لدى البنوك التجارية في حدود تقتضي الحاجة للقيام بعمليات الخصم بحجم مناسب ، ومن ثم يكون التأثير ملموساً في حالات رفع الفائدة”، بحسب عبد العال.

تابع : من هنا نتفق مع بعض المتابعين من الخبراء المصرفيين في أن سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن وفي المرجلة الحالية قد لا يجدي نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي في شقيه النقدي والمالي ، ولذلك يمكن توقع أن تتجه السلطة النقدية في المرحلة القادمة إلى استخدام آليات أخرى ، جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة ، حيث يمكن التحكم في حجم كمية وسائل الدفع ، وحجم الائتمان المصرفي ، على سبيل المثال وليس الحصر ، عن طريق رفع الاحتياطي الإلزامي بدرجات مختلفة ، كما يمكن التحكم في عرض النقد المتداول بالتحكم في سياسة الإصدار ، حيث أن نسبة كبيرة من عرض النقود قد تكون من العملة المتداولة ، جنباً إلى جنب مع نقود الودائع.

أكد عبد العال أنه من المهم الإشارة إلى أن علاج العجز القائم في صافي الأصول الأجنبية هو أمر مهم ، لأن هذا العجز يمثل زيادة غير مباشرة في السيولة المحلية “عرض النقود” ، كما أنه قد يكون هناك توجه إلى تشديد شروط منح الائتمان المصرفي ، خاصة في أنشطة التمويل الاستهلاكي.

“إن تَوقع قرار اللجنة هذه المرة ، وككل مرة ، في غاية الصعوبة ، وإن كنت أراه يميل أكثر من وجهة نظري نحو الهدنة المرحلية أو بعبارة أخرى يمكن أن يكون “التثبيت” هو الاتجاه والتوقع الأكثر احتمالاً ،، والأمر متروك بالطبع لإرادة لجنة السياسة النقدية” ، بحسب عبد العال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى