بلومبرج : عملات الأسواق الناشئة تنتعش مع وصول أسعار الفائدة لذروتها

المستثمرون يقترضون العملات ذات العائدات الأقل لشراء نظيراتها التي تقدم عائدات أعلى

أصبحت الأوضاع الحالية مهيأة لانتعاش تداولات العملات الرائجة مجدداً، حيث تستفيد تلك العملات من العائدات الجذابة والتقلبات المنخفضة، رغم التذبذبات الحادة التي شهدتها الأسواق مؤخراً في واحد من أسوأ الشهور منذ أعوام ، بحسب بلومبرج
وأدت العلامات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي ووصول أسعار الفائدة لذروتها إلى تشجيع المستثمرين على إعادة إحياء “المتاجرة بفوارق معدلات الفائدة” في الأسواق الناشئة، والتي تعني اقتراض العملات ذات العائدات الأقل لشراء نظيراتها التي تقدم عائدات أعلى.
ومع توقع “صندوق النقد الدولي” بأن تكون الاقتصادات النامية -لا سيما الآسيوية منها- نقطة مضيئة رغم تباطؤ الاقتصاد الأميركي، يمكن القول إن الرياح المواتية توافرت أخيراً لنجاح استراتيجية المتاجرة بفوارق معدلات الفائدة للمرة الأولى منذ أعوام.
وأظهر مؤشر بلومبرج ، الذي يركز على اقتراض الدولار وإعادة استثماره في سلة من عملات الأسواق الناشئة، جني المستثمرين عائدات بنحو 5% تقريباً من وراء هذه التجارة خلال العام الجاري، ليعوضوا بذلك الخسائر التي تكبدوها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ويحققوا أعلى عائدات منذ 2021.
ليس هذا وحسب، حيث قفزت العائدات أيضاً قبل ظهور بيانات مؤشر عملات الأسواق المتقدمة -الذي يناظر مثيله للأسواق الناشئة- الشهر الماضي، بعدما عززت المخاوف من تفاقم الأزمة المصرفية التي بدأت في الولايات المتحدة الرهانات على اقتراب بنك الاحتياطي الفيدرالي من نهاية دورة التشديد النقدي.
وقال إيمير دالي، المخطط الاستراتيجي للأسواق الناشئة بشركة “نات ويست ماركتس” (NatWest Markets) في لندن، إنه على عكس المتوقع، أدت انتكاسة الأسواق المالية خلال مارس الماضي إلى إعطاء الدفعة اللازمة لإحياء المتاجرة بفوارق معدلات الفائدة في الأسواق الناشئة ، وفي ظل الترجيحات بتقييد العائدات في الولايات المتحدة ، سيشعر المستثمرون بجاذبية أكبر نحو عملات الأسواق الناشئة مرتفعة العائد، في ظل تقديمها مكاسب أكبر بكثير للمستثمرين”.
وبحسب بلومبرج ، انتعشت المتاجرة بفوارق معدلات الفائدة مع ظهور دلالات على اقتراب الأنفاس الأخيرة من سياسة التشديد النقدي السريعة، التي انتهجتها كبرى البنوك المركزية، حيث يُرجح توقف هذه السياسة وسط مخاوف من تباطؤ النمو ، وكانت تلك الدلالات كافية لتعزيز ثقة المستثمرين في هذه التجارة، بالرغم من أن تقلب تداولات العملات الأجنبية يمكنه أن يضع العائدات المحتملة في مهب الريح.
وكتب المحللون الاستراتيجيون في بنك “سيتي جروب”، ومنهم آدم بيكيت، في مذكرة نُشرت الخميس الماضي: “تكتسب عائدات العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة زخماً كبيراً عند مواجهة الولايات المتحدة لأزمات ركود، كما تزداد جاذبية استراتيجيات المتاجرة فروق معدلات الفائدة من جديد، في الوقت الذي تستمر فيه معاناة استثمارات الدخل الثابت والأسهم في هذه الأسواق. لذا ربما تكون تجارة العملات الأجنبية للأسواق الناشئة ملاذاً أفضل للمستثمرين”.
وحققت التداولات الممولة بالدولار في عملات المجر وكولومبيا والمكسيك عائدات تزيد عن 6% خلال العام الجاري، وفقاً لما أوضحته البيانات التي جمعتها بلومبرج.
وجنت 17 من أصل 23 عملة يجري تتبعها في الأسواق الناشئة عائدات إيجابية حتى الآن في 2023، رغم أن أغلب هذه العملات مُني بخسائر خلال العام الماضي، حسب البيانات الممتدة حتى الخميس الماضي.
وأصبح عدد من عملات الأسواق الناشئة هدفاً جذاباً بشكل خاصة للمتاجرة بفوارق معدلات الفائدة، حيث رفعت بنوكها المركزية أسعار الفائدة لمحاربة التضخم قبل نظيراتها في الدول المتقدمة.
راجيف دي ميلو، مدير المحافظ الاستثمارية في الأسواق الكلية العالمية لدى “جاما أسيت مانجمنت” (GAMA Asset Management) في جنيف، وصف الأمر بقوله: “رفعت أغلب دول الأسواق الناشئة أسعار الفائدة بشكل كبير، وبدأ عدد منها تلك الزيادات قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وبمعدلات أكبر ، لذا تبدو كثير من عائدات عملات هذه الأسواق جذابة الآن”.
وأوضح دي ميلو أن العملات المستهدفة الجاذبة لمتاجرة فروق معدلات الفائدة تشمل: عملات البرازيل والمكسيك والهند والتشيك وبولندا.
فعلى سبيل المثال، بدأ البنك المركزي في البرازيل في رفع أسعار الفائدة منذ فترة طويلة تعود إلى مارس 2021، واستمر في زيادتها بمجموع 1,175 نقطة أساس لتصل إلى 13,75% حالياً.
ويوفر سعر الفائدة الأساسي في الدولة زيادة قدرها 875 نقطة أساس مقارنة بنظيره للاحتياطي الفيدرالي، ما يمنح حصانة كبيرة للمستثمرين لتعويض أي انخفاض محتمل للريال البرازيلي.
وتبلغ أسعار الفائدة الأساسية حالياً في البرازيل والمكسيك وكولومبيا وتشيلي نحو 7% أو أكثر، أي أنها أعلى بكثير من التوقعات الحالية لارتفاع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، والتي وصلت حالياً إلى أعلى مستوياتها بالقرب من 5% استناداً إلى مؤشر مقايضات سعر الفائدة في الولايات المتحدة لليلة واحدة.
ورغم صعود التقلبات في أسواق العملات خلال الشهر الماضي وسط مخاوف من تفاقم الأزمة المصرفية، إلا أنها بدأت في الانخفاض مجدداً، وأصبحت تشكل خطراً أقل على المتداولين المحتملين في متاجرة فروق معدلات الفائدة.
وفي منتصف مارس الماضي، وبعدما تزايدت الأزمة المصرفية، صعد مؤشر “جيه بي مورجان تشيس أند كو” الخاص بالتقلب الضمني في عملات الأسواق الناشئة خلال شهر إلى 11,1% ، لكنه عاد وتراجع إلى 9.9% في أبريل الجاري.
كما انخفض مؤشر التقلب في عملات مجموعة السبع -وهو النظير المماثل لمؤشر التقلب الضمني في الأسواق الناشئة- إلى 10.1% بعد ارتفاعه إلى 11.7%.
ويكاد مستوى المؤشرين أن يتساوى بعدما كان مؤشر الاقتصادات الناشئة قد ارتفع للضعف مقارنة بنظيره لدول مجموعة السبع في نهاية 2021، ما يُعد انعكاساً لتقلب العملات الناتج عن قرارات البنوك المركزية في الأسواق المتقدمة.
ومن المتوقع حفاظ الأسواق الناشئة على تفوقها في أسعار الفائدة مقارنة بالولايات المتحدة، خاصة إذا استمرت النظرة المستقبلة للنمو على حالها.

وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، التي نُشرت في يناير الماضي، من المتوقع انخفاض معدل النمو في الولايات المتحدة إلى 1,4% خلال العام الجاري، ونحو 1% في العام المقبل.
وعلى النقيض من ذلك، من المتوقع صعود النمو في الأسواق الناشئة ككل إلى 4% في 2023، ثم 4,2% في العام التالي، وفقاً لما أوضحته أرقام الصندوق ، ومن المرتقب صدور أحدث توقعات الصندوق الأسبوع الجاري وسط مؤشرات على تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وقال جون هاريسون، المدير الإداري للاستراتيجية الكلية في الأسواق الناشئة لدى “تي إس لومبارد” (TS Lombard) في لندن: “السيناريو الأكثر ترجيحاً من منظورنا هو حدوث ركود طفيف في الولايات المتحدة، وتحرك سعر الدولار ضمن نطاق محدود، وهو الأمر الذي يُفترض أن يشجع المتاجرة بفروق معدلات الفائدة في الأسواق الناشئة، ويبدو أن أفضل عملتين مستهدفتين لتلك التجارة هما: الريال البرازيلي والبيزو المكسيكي، إذ ستدعمهما الخطوات الاستباقية التي اتخذها البنكان المركزيان في الدولتين، وأسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة نسبياً هناك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى