دكتور زكريا صلاح يكتب – قانون البنوك والإستقرار المالى

صدر قانون البنوك رقم 194 لسنة 2020 للتجاوب مع المستجدات فى الصناعة المصرفية والقضايا المصرفية والمالية والإقتصادية المعاصرة.

وترجع أهمية القانون وما يتضمنه من مواد الى إهتمامه وتداركه لموضوعات لم يتم تداولها من قبل فى القانون السابق الذى صدر فى عام 2003 ، حيث لم يكن الأخذ بمفهوم الإستقرار المالى قد تأصل ، وكانت النظرة فقط تركز على سلامة واستقرار القطاع المصرفى فقط دون غيره من القطاعات ، خاصة وأن القطاع المصرفى لا يعمل بمعزل عن القطاعات المالية وغير المالية أو الجهات الرقابية الأخرى.

وتم التركيز بصوررة كبيرة على أهمية الإستقرار المالى فى الفترة التى تلت الأزمة المالية فى عام 2008 ، وبات الأمر أكثر وضوحاً ويتطلب التركيز على مختلف القطاعات واتخاذ ما يلزم من إجراءات على مستوى مختلف القطاعات المصرفية وغير المصرفية التى تتعرض لمخاطر بصورة كبيرة وارتباطها بعضها ببعض من خلال تدفقات التمويل لمختلف القطاعات.

إن مفهوم الإستقرار المالى مفهوم واسع جد ويشمل الجوانب المختلفة المتعلقة بالنظم المالية وأسواق المال والبنية التحتية لها ،ويتمثل فى قدرة النظام المؤسسي المالى فى التعامل مع الأزمات والصدمات الإقتصادية والمالية ، مع الاستمرار فى القيام بدوره فيما يتعلق بالوساطة المالية وإنجاز العمليات والمدفوعات ، والقدرة على إدارة مختلف أنواع المخاطر ، وفى ظل وجود نظام مالى قوى وسليم يتحقق الإستقرار المالي.

ويعرف الإقتصاديون الإستقرار المالي بأنه الحالة التى يكون فيه القطاع المالي قادراً على التحوط ضد الأزمات الداخلية والخارجية، والاستمرارفى ممارسة أعماله بالصورة المعتادة في حالة وقوع الأزمات، في أداء وظيفته المتمثلة في توفير التمويل بكفاءة، والإستمرار في أداء المدفوعات بكفاءة، مع عدم الإخلال بعمل الآليات المتعلقة بالحد من المخاطر المرتبطة بعملية منح الغئتمان وتوفير السيولة، أوإدارة مخاطر السوق والمخاطر التشغيلية، مع مراعاة تناسب النمو في قيم الأصول المالية مع النمو في الإقتصاد الحقيقي، ونمو فرص العمل المستدامة.

وقد جاء القانون ليستحدث مادة تتعلق بتشكيل لجنة للإستقرار المالى فى الدولة ، هدفها تجنب حدوث أية أزمات مالية من خلال إدارة الأزمات حال حدوثها ، حيث أهمية التنسيق على مستوى الدولة فى مثل هذه الأزمات والوصول الى مجموعة الإجراءات للتعامل مع الأزمة بأقل أثار جانبية.

وجاءت المادة 49 من القانون لتتناول تشكيل اللجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزى كنائب له ، ثم وزير المالية ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ، ونصت المادة على أن الهدف هو الحفاظ على الإستقرار المالى فى الدولة ، من خلال تنسيق الجهود لتجنب حدوث أية أزمة مالية وإدارتها فى حالة حدوثها ، وذلك كله دون الإخلال بالإختصاصات المخولة قانوناً لكل جهة ، وأن للجنة أن تستعين بمن تراه فى مباشرة أعمالها ، وأن تنعقد اللجنة مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر أو كلما إقتضت الحاجة ذلك ، وأن تقوم اللجنة برفع تقرير سنوي عن أعمالها لرئيس الجمهورية ولرئيس مجلس النواب ومجلس الوزراء.

ويمتد مفهوم الإستقرار المالي إلى العمل على تأهيل القطاع المالي لاستيعاب وامتصاص تلك الأزمات، والحد من احتمالات وقوعها، وتقليص فرص إنتقال تداعياتها إلى باقي القطاعات الإقتصادية بالدولة، ويتطلب ذلك قدراً كبيراً من الإفصاح والشفافية والإهتمام بتوافر نظم جيدة للحوكمة داخل المؤسسات والأسواق المالية وتحقيق انضباط الأداء بها ، والربط بين المؤشرات الإقتصادية الكلية ومؤشرات السلامة المالية للمصارف والمؤسسات غير المصرفية، والتأكد من قدرة نظم الدفع والتسوية والمقاصة على الإستمرار، وقت الأزمات، في القيام بوظيفتها بكفاءة.

إن وجود قطاع مالي متطور ومستقر فى الدولة يؤدى دور الوساطة المالية بكفاءة وفاعلية يحقق هدف زيادة الإنتاجية وتحقيق معدلات النمو الإقتصادى المرغوبة ومن ثم فإن تحقيق الإستقرار المالى يؤدى الى تحقيق الإستقرار الإقتصادى والتنمية المستدامة.

دكتور زكريا صلاح – الخبير المصرفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى