مصطفى عبده يكتب .. الشلل من كثرة التحليل Paralysis by analysis

المستوى الاول

يقوم الاقتصاد على الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة المتاحة للوصول للنتائج المطلوبة (من تقديم سلع ومنتجات وخدمات) وذلك في ظل ندرة الموارد المتوفرة لأي نشاط اقتصادي من توافر رأس المال الكافي والتكاليف التشغيلية اليومية والمواد الخام السليمة والعمالة المدربة المؤهلة وإمكانية الحصول على قروض بأسعار مميزة.. وغيرها الكثير التي يتطلب الأمر تحليلها خاصة عند اتخاذ القرارات التوسعية ، وبالرغم من أن ذلك معلوم إلا أنه في كثير من الأحيان ما قد نصاب بعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب نتيجة الإفراط في التحليل (وهو ما قد يؤدي للشلل أو التوقف عن اتخاذ القرار المناسب سواء بالقبول أو الرفض) أو بهدف الوصول إلى المثالية سواء في الحياة العملية أو الشخصية وذلك بمحاولة تجميع أكبر قدر من المعلومات والتي قد يكون أغلبها ليس ذي صلة بالقرار المزمع اتخاذه.

المستوى الثاني

في مجال تحليل الأعمال لاتخاذ أي قرار (تجاري، استثماري) نحتاج إلى كم محدد من المعلومات (مدخلات محدودة ومحددة و ليست مفتوحة أو لا نهائية) وبشرط أن تكون تلك المعلومات والمدخلات مرتبطة وذات صلة بالقرار المزمع اتخاذه (والتى لا يدخل ضمنها ما يسمي بالتكاليف الغارقة وهي كل التكاليف السابق تحملها بالفعل قبل اتخاذ هذا القرار ) وهي تشمل كل التكاليف والإيرادات المتوقع تكبدها والحصول عليها نتيجة لاتخاذ هذا القرار ثم تجري عليها بعض العمليات الحسابية لاستخراج نسب ومؤشرات (لدراسة جدوها) مثل صافي التدفقات النقدية والقيمة الحالية لها (بعد خصمها بمعدل تكلفة رأس المال وهو يمثل العائد المرغوب من المستثمرين) ومعدل العائد الداخلي للاستثمار وتحديد فترة الاسترداد ثم الوصول للقرار النهائي (سواء بالاستثمار أو رفض الدخول في الاستثمار).

كل ما سبق يجب أن يجرى في إطار و نطاق محدد (نطاق زمني ومكاني وسعري متمثل في التكلفة ) لأن عكس ذلك سيؤدي إلى شلل التفكير الناتج من كثرة التفكير (over thinking) في المحاولة من الاقتراب من المثالية وتفادي المخاطر (على الرغم من أنه لا يوجد عمل ناجح يخلو من المخاطر والتكاليف والتضحيات في كثير من الأحيان)

ومن أشهر الأمثلة العالمية على الشلل من كثرة التحليل هو ما يقال حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأن أمريكا بالفعل كانت على علم بقرب حدوث عمل وشيك إلا أن كثرة المعلومات وفرطها قد أدى لصعوبة تحليلها وهو ما أدي إلى الشلل في اتخاذ القرار المناسب وفي التوقيت المناسب إن صح ذلك.

المستوى الثالث

يقول المثل الدارج “من تحب أن تحيره … خيره ” أي أن كثرة الخيارات قد تؤدي إلى الحيرة والتي قد تسبب شللا في الوصول للقرار المناسب والذي قد يكون امتلاك أكبر الكيانات الاقتصادية أو أعلى الدرجات العلمية أو الحصول على أكبر قدر من الشهادات أو حتى شراء قميص.

لأنه في خضم الحياة وبيئات الأعمال التي يشوبها الكثير من عدم التأكد وكثرة المخاطر المرتبطة بها والتخوف (الذي يفترض الا يكون له محل من الاعراب) من المستقبل والذي قد يصل الى مستويات مرضية, فمن الجيد جدا ونحن نسعى للتوسع وان يكون لنا مشاريع خاصة وعقارات و مزارع والحصول على شهادات أكثر ومناصب اعلى و….. و…..فمن المهم والاهم ان ندرك الهدف النهائي والا نقع فريسة للخيارات اللامحدودة مع التفكير الزائد (over thinking) بحيث ننسي ذكر الله سبحانه و تعالي وان يكون هدفنا هو رضائه في المقام الاول لانه الوحيد القادر وهو الذي بيده كل الموارد النادرة واسهل طريقة للحصول عليها هو مشاركة الاخرين دون انتظار مقابل منهم .

ولعل نموذج الحاج “محمود العربي ” رحمة الله عليه وعلى امثاله هو مثال سيظل حي على استخدام الموارد المحدودة مع تقوي الله سبحانه و تعالي والوصول الى نتائج غير مسبوقة على المستوى التجاري الاستثماري والمستوي الشخصي واقتبس هنا عبارته الشهيرة “الشاطر اللي يكسب الدنيا والاخرة ” .

الخلاصة :-

لكي لا نصاب بشلل التفكير المفرط من كثرة التحليل يجب أن يتم تنصب القيود والحدود من البداية مع الاقرار بان الموارد محدودة وانها بيد الله يسخرها لمن يشاء مع السعي والآخذ بالأسباب، وبعبارة اخرى تأكد من توافر المعلومات الكافية لاتخاذ قرارك القادم ولا تحاول جمع كم مفرط من المعلومات يصعب تحليلها مما يؤدي لعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب…….من الجيد تذكر وادارك ذلك مسبقاَ وتذكر ان السلحفاة بإمكانيتها المتواضعة استطاعت التفوق على الارنب بإمكانيته المرتفعة فقط لأنها تحركت وأخذت خطوة للأمام مع اقرارها بندرة موارها المحدودة ولم تحلل الموقف اكثر من اللازم….تذكر أن تحرك دوماً للأمام.

مصطفى عبده
الخبير الإقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى