صندوق النقد الدولي يرصد تداعيات “كورونا” على الإقتصاد العالمي

توقع صندوق النقد الدولي أن يمر الاقتصاد العالمي هذا العام بأسوأ ركود تَعَرَّض له منذ سنوات “الكساد الكبير”، متجاوزا في ذلك كل تداعيات الأزمة المالية العالمية منذ 10 سنوات.
وأشار في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر اليوم الثلاثاء إلى أنه من المتوقع أن يتسبب “الإغلاق العام الكبير”، كما يجوز أن نسميه، في انكماش النمو العالمي بشدة. ومن المتوقع حدوث تعافٍ جزئي في عام 2021، حيث يصبح النمو أعلى من معدلات الاتجاه العام، ولكن مستوى إجمالي الناتج المحلي سيظل أدنى من الاتجاه العام في فترة ما قبل الفيروس، مع قدر كبير من عدم اليقين حول مدى قوة التعافي.

ومن الممكن، بل وربما من الأرجح، أن تكون نتائج النمو أسوأ بكثير. وسيحدث هذا إذا استمرت الجائحة وإجراءات الاحتواء مدة أطول، أو وقع ضرر أكثر حدة على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أو استمر تشديد الأوضاع المالية، أو إذا ظهرت آثار غائرة واسعة النطاق بسبب إغلاق الشركات واستمرار البطالة.


وسيتعين التعامل مع هذه الأزمة على مرحلتين: مرحلة للاحتواء وتحقيق الاستقرار تليها مرحلة للتعافي.

وفي كلا المرحلتين، هناك دور حاسم لكل من الصحة العامة والسياسات الاقتصادية. وتكتسب عمليات الحجر الصحي والإغلاق العام والتباعد الاجتماعي أهمية حاسمة في إبطاء انتقال العدوى، مما يعطي نظام الرعاية الصحية وقتا كافيا للتعامل مع طفرة الطلب على خدماته وإمهال الباحثين وقتا كافيا لمحاولة إيجاد أدوية ولقاح.

ويمكن أن تساعد هذه الإجراءات على تجنب ركود النشاط الاقتصادي بصورة أشد وأطول أمدا وتهيئة السبيل لتعافي الاقتصاد، بحسب تقرير الصندوق.


وأوضح أنه من الضروري زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية لضمان توافر القدرات والموارد اللازمة لنظم الرعاية الصحية.

وينبغي النظر في إعطاء معاملة خاصة للمشتغلين بالمهن الطبية – الذين يقفون في الصفوف الأمامية لمكافحة الجائحة – بما في ذلك، على سبيل المثال، إعطاؤهم منحا لتعليم أسرهم أو تعويضات سخية للورثة في حالة الوفاة.


وبينما الإقتصاد في حالة توقف، سيكون على صناع السياسات التأكد من أن الأفراد قادرون على سد احتياجاتهم وأن مؤسسات الأعمال يمكن أن تنتعش من جديد بمجرد مرور المراحل الحادة من الجائحة.

ويتطلب هذا إجراءات جوهرية موجهة من خلال المالية العامة والسياسة النقدية والقطاع المالي للحفاظ على الروابط الاقتصادية بين العمالة والشركات والمقرضين والمقترضين، مما يحافظ على سلامة البنية التحتية الاقتصادية والمالية للمجتمع.

ففي بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية ذات القطاعات غير الرسمية الكبيرة، على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة لتقديم الدعم الموجه لمستحقيه. ومن المشجع أن صناع السياسات في كثير من البلدان ارتفعوا إلى مستوى هذا التحدي غير المسبوق بالإسراع باعتماد مجموعة واسعة من الإجراءات، وفقاً للتقرير.
وأضاف: “يمكن أن يؤدي تقديم تسهيلات واسعة النطاق للتحفيز وتوفير السيولة بهدف الحد من الضغوط النظامية في النظام المالي إلى رفع مستوى الثقة والحيلولة دون حدوث انكماش أعمق في الطلب عن طريق الحد من توسع الصدمة في النظام المالي وتعزيز توقعات التعافي الاقتصادي في نهاية المطاف.

وهنا أيضا ساهمت الإجراءات العاجلة والكبيرة من جانب عدة بنوك مركزية بدور حيوي وأدت إلى تجنب هبوط أكثر حدة في أسعار الأصول ومستوى الثقة.

ومن الإجراءات التي اكتسبت أهمية خاصة في هذا الصدد تفعيل وإنشاء خطوط لتبادل العملات بين البنوك المركزية الكبرى من أجل توفير السيولة الدولية.”


وأشار الصندوق إلى أن المشهد الاقتصادي سيتغير كثيرا طوال مدة الأزمة وربما لفترة أطول من ذلك مع زيادة انخراط الحكومات والبنوك المركزية في الإقتصاد.

والاقتصادات المتقدمة في وضع أفضل لتجاوز الأزمة بما تتمتع به من قدرات قوية في مجال الحوكمة، ونظم رعاية صحية جيدة التجهيز، وميزة إصدار عملات الاحتياطي.

لكن هناك العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي لا تملك أصولا مماثلة وتواجه أزمات صحية واقتصادية ومالية متزامنة، وستكون بحاجة إلى مساعدة الدائنين الثنائيين من الاقتصادات المتقدمة ومساعدة المؤسسات المالية الدولية.


وأوضح أن التعاون متعدد الأطراف سيكون ضروريا، فبالإضافة إلى تبادل المعدات والخبرة المتخصصة لتعزيز نظم الرعاية الصحية حول العالم، يجب القيام بجهد عالمي يضمن للبلدان الغنية والفقيرة على السواء الحصول على الأدوية واللقاحات المطلوبة لفيروس كوفيد-19 فور التوصل إليها.

وسيحتاج المجتمع الدولي أيضا إلى تكثيف المساعدات المالية لكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وبالنسبة للبلدان التي تواجه مدفوعات كبيرة لسداد ديونها، قد يتعين النظر في تأجيل سداد الدين وإعادة هيكلته.


وأكد أن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) تواصل إلحاق خسائر فادحة ومتزايدة في الأرواح في مختلف بلدان العالم.

وحتى يتسنى حماية الأرواح وإتاحة الفرصة لنظم الرعاية الصحية لكي تواكب الأزمة، كان من الضروري اللجوء إلى عمليات العزل والحظر العام والإغلاق واسع النطاق لإبطاء انتشار الفيروس.

وبالتالي، تتمخض الأزمة الصحية عن انعكاسات حادة على النشاط الاقتصادي، فنتيجة لهذه الجائحة، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي انكماشا حادا بواقع -3% في عام 2020، وهو أسوأ بكثير مما ترتب على الأزمة المالية العالمية في 2008-2009.

وفي أحد السيناريوهات الأساسية، الذي يفترض انحسار الجائحة في النصف الثاني من عام 2020 وإمكانية تخفيف جهود الاحتواء بالتدريج، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 5,8% في 2021 مع عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته، بمساعدة الدعم المقدم من السياسات.


وهناك عدم يقين شديد يحيط بتنبؤات النمو العالمي، فالتداعيات الاقتصادية تعتمد على عوامل تتفاعل بطرق يصعب التنبؤ بها، بما في ذلك مسار الجائحة، وكثافة جهود الاحتواء ودرجة فعاليتها، ومدى الاضطرابات المتعلقة بالعرض، وتداعيات التشديد الحاد لأوضاع الأسواق المالية العالمية، والتحولات في أنماط الإنفاق، والتغيرات السلوكية (كأن يتجنب الناس مراكز التسوق والمواصلات العامة)، والآثار على الثقة، وأسعار السلع الأولية المتقلبة. ويواجه كثير من البلدان أزمة متعددة الأبعاد تتألف من صدمة صحية، واضطرابات اقتصادية محلية، وهبوط حاد في الطلب الخارجي، وتحولات في وجهة تدفقات رؤوس الأموال، وانهيار في أسعار السلع الأولية، وتهيمن على الأجواء مخاطر أيلولة الأمور إلى عاقبة أسوأ، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي.


وأضاف أن السياسات الفعالة أمر ضروري لمنع الوصول إلى نتائج أسوأ. وسيتأثر النشاط الاقتصادي على المدى القصير بما يتخذ من إجراءات ضرورية للحد من العدوى وحماية الأرواح، لكن هذه الإجراءات ينبغي أن تعتبر أيضا بمثابة استثمار مهم في الصحة البشرية والاقتصادية على المدى الطويل.

وتتمثل الأولوية العاجلة في احتواء تداعيات تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، وخاصة عن طريق زيادة المصروفات على الرعاية الصحية لتعزيز القدرات والموارد في هذا القطاع مع اعتماد إجراءات للحد من العدوى.

وينبغي أن تعمل السياسات الاقتصادية أيضا على تخفيف أثر تراجع النشاط على الأفراد والشركات والنظام المالي؛ وتقليص الآثار الغائرة والمستمرة للتباطؤ الحاد الذي لا يمكن تجنبه؛ وضمان إمكانية بدء التعافي الاقتصادي بسرعة بمجرد انحسار الجائحة.


ولأن التداعيات الاقتصادية تمثل في الأساس انعكاسا للصدمات الحادة التي تتعرض لها قطاعات معينة، ينبغي أن يطبق صناع السياسات إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية والأسواق المالية، لدعم الأسر والأعمال المتضررة.

وستساعد هذه الإجراءات على الاحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية طوال فترة توقف النشاط، كما أنها ضرورية لتمكين النشاط من العودة إلى طبيعته تدريجيا بمجرد انحسار الجائحة وإلغاء إجراءات الاحتواء.

وقد كانت استجابة المالية العامة سريعة وكبيرة في كثير من الاقتصادات المتقدمة المتأثرة بالأزمة (كأستراليا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).

وفي كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية أيضا (كالصين وإندونيسيا وجنوب إفريقيا)، بدأ تقديم دعم كبير من المالية العامة للقطاعات والعمالة الأشد تضررا، أو أُعلِن أنه تَقَرر تقديمه.

وسيتعين تكثيف هذه الإجراءات المالية إذا استمر تعطل النشاط الاقتصادي أو كان انتعاش النشاط شديد الضعف بعد رفع القيود، وقد يتطلب الأمر دعما خارجيا للاقتصادات التي تواجه قيودا تمويلية في سعيها لمكافحة الجائحة وآثارها.

ويمكن أن يؤدي القيام بعملية تحفيز مالي واسعة النطاق إلى الحيلولة دون انخفاض أكبر في مستوى الثقة، وزيادة الطلب الكلي، وتجنب هبوط اقتصادي أعمق. لكن الأرجح أن يكون هذا التحفيز أكثر فعالية بمجرد انحسار الفاشية وفتح المجال أمام حرية حركة الأفراد.


وأوضح أن من الإجراءات المهمة التي اتخذتها البنوك المركزية الكبرى في الأسابيع القليلة الماضية توفير تسهيلات للتحفيز النقدي وإتاحة السيولة من أجل تخفيف الضغط النظامي.

وقد دعمت هذه الإجراءات الثقة وساهمت في الحد من حجم الصدمة، مما هيأ للاقتصاد وضعا أفضل يؤهله للتعافي، ويمكن أن يكون للإجراءات المتزامنة تأثير معزز على الاقتصادات المنفردة، كما أنها ستساعد على إتاحة المجال أمام اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لاستخدام السياسة النقدية في الاستجابة للأوضاع الدورية المحلية.

وينبغي لأجهزة الرقابة أيضا أن تشجع البنوك على إعادة التفاوض بشأن القروض المقدمة للأسر والشركات التي تمر بضائقة في الوقت الراهن مع الحفاظ على تقييم شفاف لمخاطر الائتمان.


ويشكل التعاون الوثيق متعدد الأطراف مطلبا ضروريا للتغلب على آثار الجائحة، بما في ذلك لمساعدة البلدان التي تفتقر إلى الموارد المالية على مواجهة الصدمة الصحية والتمويلية المزدوجة، ولتوجيه المعونة للبلدان التي تمتلك نظما ضعيفة للرعاية الصحية.

وينبغي أن تسارع البلدان بالعمل معا من أجل إبطاء انتشار الفيروس والتوصل إلى لقاح وعلاجات لمقاومة المرض، وإلى أن تصبح هذه الابتكارات الطبية متاحة، لا يوجد بلد آمن من الجائحة (بما في ذلك إمكانية تكرارها بعد انحسار الموجة الأولى)، ما دام انتقال العدوى يحدث في أماكن أخرى، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى