محمد عبد العال يكتب : “فاغنر” ..صدمة جديدة فى أفق الإقتصاد !
مصر مثلها مثل كل دول العالم يمكن أن تتأثر بهذا الحدث إذا ما تفاقم واستمر بلا حل سريع
في ظل تطورات متسارعة في روسيا ، قام رئيس مجموعة فاغنر بحشد مقاتليه ضد الجيش الروسي في إطار مساعى للإطاحة بالقيادة العسكرية فى البلاد.
وحقيقة الأمر أن هناك صعوبات للتنبؤ بشكل دقيق بحجم أو تداعيات تلك الأحداث ، خاصة وأنها ما مازالت في مهدها ، كما أن الأخبار الواردة من موقع الأحداث بعضها متضارب ، وغير واضح ، بحيث يصعب تحديد وقياس أبعاد الحدث وتداعياته المختلفة ، وهو الأمر الذى يدخلنا في نفق جديد من حالات عدم اليقين ، قد تعوق إمكانيات الاستنتاج والتوقع.
ورغم ذلك فالحدث في حد ذاته حدث جلل ، بدءًا من تصور كونه مجرد عصيان بسيط ينتهي بعد بضعة ساعات قليلة ، وكانه ذوبعة فى فنجان ، أو يتطور ليأخذ شكل الإنقلاب العسكري ، وهذا الأخير سوف تظهر تداعياته وفقا لدرجة نجاحه في تحقيق أهدافه ، أو قد تشتد كواليس الحدث وفاعلياته إلى إمكانية أن يتطور إلى صراع عسكري سريع ، أو قد يطول وينتهي بتغير حاسم فى القيادة الروسية الحالية ، وبالتالي في النظام الروسي ، وربما في فكر إدارة السياسة الروسية ، واحتمال تغير أسلوب تعاملها مع الأحداث الراهنة ، خاصة مع الحرب الروسية الأوكرانية.
وربما يكون التطور الأخير بعيد المنال ، ولكن في عالمنا المعاصر ، تطور خداع الحرب ومكر السياسة يفرز تطبيقات لإحداث تفرض نفسها على أرض الواقع، رغم بعدها عن كل تصور ، أو حتى خيال أشهر المحللين الاستراتيجيين والعسكريين.
ووفقاً لتنوع ودرجة وقوة كل مستوي من الحالات السابقة أو غيرها يكون هناك تداعيات متوافقة تتناسب مع حجم وشدة وطول مرحلة الحدث ، وتتطور تداعيات وردود أفعال تلك السيناريوهات مؤثرة في منظومة العلاقات الاقتصادية الدولية ، وعلى نظم التجارة العالمية والنظام الاقتصادي العالمي ، ويتدرج الأثر الاقتصادي والمالي من اضطراب بسيط في الأسواق والبورصات العالمية ، وربما يتصاعد إلى أزمات مالية إقليمية ، قد تتسع لتكون أزمة مالية عالمية.
الخوف كل الخوف أن يصاب العالم من جراء هذا الصراع الجديد بصدمة مالية واقتصادية لتكون الضربة القاضية بعد صدمة كوفيد 19 وصدمة الحرب الروسية الأوكرانية.
ومن المتوقع أن تؤثر تلك الأحداث علي النظام الاقتصادي العالمي بشكل مباشر وغير مباشر ، سواء على الدول المتقدمة أو الدول النامية ، وبالطبع تكون التداعيات السلبية على الدول النامية والأكثر فقراً أشد قسوة.
ومن بين تلك التداعيات المتوقعة لتلك الأحداث :
ـ حدوث تقلبات شديدة في أسواق المال والبورصات العالمية ، بسبب حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار في روسيا ، وتأثير الأحداث الجديدة علي تطور الحرب الروسية الأوكرانية ، كما ستتأثر تبعا لذلك حركة الأسواق المالية في بعض الدول الناشئة.
– ربما يحدث تغيرات جزرية في هيكل التجارة الدولية بسبب أي تغير محتمل في القيادة السياسية الروسية ، وبالطبع سوف ينعكس ذلك على فروع الشركات الروسية التي تعمل في الخارج أو الشركات العالمية متعددة الجنسيات التي تعمل في روسيا.
– ربما تتأثر مخططات مجموعة بريكس في توجهاتها المستقبلية حال حدوث أي تغير سياسى في روسيا ، وقد يتأخر تنفيذ برامج المجموعة في تنسيق التجارة الدولية ، خاصة فيما يتعلق بإصدار عملة رقمية موحدة تستخدم كبديل للدولار في تسوية صفقات التجارة الدولية بين دول أعضاء المجموعة.
ـ ربما تتعطل خطوط الإمداد لبعض أنواع المحاصيل من الموانئ الأوكرانية إذا ما انسحبت روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب ، الأمر الذي يمثل تهديد جديد للأمن الغذائى العالمي ، حيث تصدر روسيا وأوكرانيا 34% من صادرات الحبوب في العالم.
– التأثير علي النظام المالي العالمي ، حيث أن روسيا تحتفظ بعلاقات تجارية ومالية وتعاون مالي مع كثير من الدول ، كالصين والهند والدول الإفريقية ، وأي تأثير ضار في أوضاعها السياسية يمكن أن يكون له مضاعفات سلبية على النظام المالي العالمي ، وتباطؤ حركة التجارة العالمية ، مما يؤثر على الدول الناشئة التي تعتمد على التصدير والاستيراد كمصدر رئيسي للدخل القومي.
– تزايد التوتر الجيوسياسي في منطقة الأحداث ، وهو ما يؤثر على استقرار الدول الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، وعلى خطوط الإمداد السلعي وتدفق السياحة العالمية.
ويبقى السؤال المهم هل تتأثر مصر بتلك الأحداث؟
والإجابة نعم ! .. فمصر دولة ناشئة تقع في قلب العالم ، وتتفاعل مع كل الأحداث والصدمات والأزمات العالمية بحلوها ومرها.
وقد تفاعلت وتأثرت مصر بكل الصدمات التي مرت بالعالم في السنوات الأخيرة ، خاصة صدمة كوفيد 19 ، ثم الحرب الروسية الأوكرانية ، والذي يعتبر حدث انشقاق أو تمرد فاغنر هو أحد تداعياتها.
ومصر مثلها مثل كل دول العالم يمكن أن تتأثر بهذا الحدث إذا ما تفاقم واستمر بلا حل سريع ، ونأمل أن تتشكل فرق عمل لإدارة تلك الأزمة ، وتقدير مخاطرها علينا ، وقياس أضرارها المتوقعة والاستعداد من الآن للتحوط من تداعياتها ، والتخفيف من حدة مخاطرها على إقتصادنا القومي ، خاصة فيما يتعلق باحتمالات عودة أسعار القمح والذرة والفول والصويا للإرتفاع ، وهي سلع تحتاجها مصر بشكل رئيسي ، ويؤدى ارتفاع أسعارها عالميا إلى ارتفاع أسعارها محلياً ، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم ، وظهور بعض مظاهر الركود التضخمي ، بالإضافة إلى أن ارتفاع أسعار تلك السلع يمكن أن يزيد من تفاقم أزمة السيولة الدولارية.
محمد عبد العال
خبير مصرفي