” النقد العربي ” : الـ ” بلوكشين ” تساهم في خفض تكاليف الخدمات المصرفية بنسب تتراوح بين 30 الى 70 %

تقديرات دولية  تشير إلى أن نحو 91 % من البنوك استثمرت في تطوير واستخدام تقنيات البلوكشين خلال عام 2018

البنك الدولي  : هذه التقنيات يمكن أن تحقق عائدات مصرفية تبلغ حوالي 380 مليار دولار في عام 2020  

رغم الاهتمام العالمي المتزايد باستخدام هذه التقنية في الخدمات المالية إلا أن إنتشارها لا يزال محدودًا حتى الآن

صندوق النقد العربى

أصدر صندوق النقد العربى دراسة حول استخدامات تقنية البلوكشين في الخدمات المالية ، وذلك في إطار الجهود التي يبذلها الصندوق على صعيد الأنشطة البحثية ، لدعم متخذي القرار في البلدان العربية في الموضوعات ذات الأولوية.

إهتمت الدراسة بإلقاء الضوء على تطور تقنية البلوكشين خلال السنوات العشر الأخيرة، والمكاسب الإقتصادية المتوقعة جراء استخدام تلك التقنيات في تقديم الخدمات المالية، والتطورات الرقابية والتنظيمية في هذا الصدد، والتوجهات الأخيرة للبنوك المركزية ومؤسسات النقد العربية لدراسة إمكانات الاستفادة من تلك التقنية في تقديم الخدمات المالية ، وزيادة مستويات الشمول المالي.

أشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن تقنية البلوكشين قد شاع استخدامها في البداية كبنية تحتية داعمة لتداول الأصول المشفرة (Cryptoassets) ، ومن أبرزها عملة البتكوين، إلا أن تلك التقنية لها استخدامات مهمة في بعض المجالات والقطاعات ، مثل الخدمات المالية، وحفظ السجلات الطبية، وتقديم الخدمات الحكومية وغيرها من التطبيقات الأخرى.

وبحسب الدراسة ، فإن هناك العديد من الأسباب وراء الاهتمام العالمي المتزايد بتقنية البلوكشين ، ومن بينها أن الاستخدام الأوسع نطاقًا لتقنية البلوكشين سوف يسهم ، وفق التقديرات الدولية ، في تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بنحو 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030.

أوضحت الدراسة وجود فرص واعدة لاستخدام تقنية البلوكشين في تقديم الخدمات المالية على وجه التحديد، لافتة الى أنه على الرغم من التقدم المحرز في مجال الخدمات المالية على مدار العقود الماضية، لا تزال الوظائف المرتبطة بتنفيذ وإبرام الصفقات وحفظ التعاملات المالية تتطلب إجراءات طويلة ومعقدة في عدد من الأنشطة المالية.

” بناءً عليه، يعتقد البعض أن تقنية البلوكشين يمكن أن تسهم في زيادة مستويات كفاءة وفاعلية الخدمات المالية  ، بطريقة تماثل الطريقة التي غيرت بها الإنترنت صناعة الإعلام، وسوف تمكن الأفراد والشركات من الحصول على خدمات مالية أفضل  ، دون وجود وسطاء ماليين ، أو ما يسمى “بإنترنت القيمة” ، أو فكرة ” تضييق القطاع المصرفي”the narrowing of the banking sector” ” ، بحسب الدراسة.

أوضحت ، أنه على صعيد القطاع المصرفي، يمكن أن تسهم البلوكشين في خفض واسع النطاق لتكاليف تقديم الخدمات المصرفية، بما يشمل تكاليف العمليات والإمتثال والإفصاح وتكاليف أنظمة أعرف عميلك ، بنسب تتراوح ما بين 30 الى 70 % من كلفة هذه العمليات ، كما يقدر الوفر الناتج عن ذلك بما يتراوح بين 8 و12 مليار دولار سنوياً بالنسبة لكبرى البنوك الاستثمارية .

وبناءً عليه ، وبحسب الدراية ، يسعى عدد من البنوك للاستثمار في هذه التقنيات، حيث تشير التقديرات الدولية إلى أن نحو 91 % من البنوك قد استثمرت في تطوير واستخدام تقنيات البلوكشين خلال عام 2018.

لفتت الدراسة الى أن أنظمة الدفع والتسوية  تعد أحد أهم مجالات الخدمات المالية التي ستستفيد من تقنية البلوكشين، حيث تنطوي عمليات المقاصة والتسوية التقليدية على عمليات وأطراف متعددة  ، بما يخلق في بعض الحالات اختناقات بفعل العمليات اليدوية  ، وكثرة المتطلبات التنظيمية ، ويؤدي إلى تأخير وقت التسوية وارتفاع التكاليف.

أضافت ، في المقابل تسهم تقنية البلوكشين في زيادة كفاءة عمليات الدفع والتسوية ، من خلال خفض الوقت اللازم لإنجاز المعاملات من أيام إلى دقائق  ، وتعمل على خفض التكلفة المرتبطة بمثل هذه العمليات بشكل ملموس.

كما يمكن أن يلبي استخدام الحلول المستندة إلى تقنية البلوكشين احتياجات نظام التسويات الإجمالية الفوري Real Time Gross Settlement  ، بما يساعد كذلك على تعزيز المرونة والموثوقية.

وبحسب الدراسة ، فإن البورصات العالمية تسعى إلى الاستفادة من تقنية البلوكشين في تنفيذ وحفظ التداولات في أسواق الأوراق المالية ، لتقليل التكلفة وتبسيط الإجراءات وزيادة سرعة عمليات التداول والتسوية بشكل آمن.

” تعتبر التحويلات المالية من أبرز الخدمات المالية التي بدأت بالفعل الإستفادة من تقنية البلوكشين ، وعلى نطاق واسع  ، حيث أصبح من الممكن التحويل الفوري للأموال عبر الحدود بتكلفة منخفضة نسبياً وفي وقت لا يتجاوز دقائق ، وهذه التقنية يمكن أن تساهم في زيادة حجم التحويلات العالمية التي تقدر بحوالي 500 مليار دولار سنوياً باستخدام قنوات التحويلات التقليدية ” ، بحسب الدراسة

أضافت ، أن تقنية البلوكشين تستخدم أيضا في تيسير خدمات تمويل التجارة ، موضحة أنه في حين تتطلب عمليات تمويل التجارة التقليدية إجراءات ورقية متعددة وصارمة، سيُمكن استخدام هذه التقنية البنوك ومؤسسات تمويل التجارة من تخزين وتأمين وتبادل تفاصيل العقود والشروط المالية تلقائيًا ، وتنسيق الخدمات اللوجستية التجارية والمدفوعات في إطار شبكة آنية ومتكاملة من المعاملات ، بما سيساعد على دعم عمليات تمويل التجارة  ، وسد جزء من فجوة تمويل التجارة خاصة في البلدان النامية وتحقيق وفر يُقدر بنحو 30 الى 40 مليار دولار سنويا.

أشارت الدراسة ، الى أنه يعول على البلوكشين أيضا لدعم الشمول المالي، حيث يعتبر الهاتف المحمول والبلوكشين من الحلول الواعدة للغاية لتوفير الخدمات المالية لمليارات الأشخاص غير المخدومين مالياً.

ووفق تقديرات البنك الدولي يمكن أن تحقق هذه التقنيات عائدات مصرفية تبلغ حوالي 380 مليار دولار أمريكي في عام 2020  ، منها 270 مليار دولار أمريكي جراء تغطية الشركات الصغيرة والمتوسطة بالخدمات المالية  ، و110 مليار دولار أمريكي جراء تقديم الخـدمات المالية للأفـراد غير المخدومين مالياً .

أشارت الدراسة الى أنه على الرغم من الاهتمام العالمي المتزايد باستخدام تقنية البلوكشين في الخدمات المالية، من الملاحظ أن نطاق انتشار هذه التقنية لا يزال محدودًا حتى الآن، وهو ما يعزي إلى عدد من التحديات التي تحول دون الاستخدام الواسع النطاق لهذه التقنية في القطاع المالي في الوقت الحالي.

أوضحت أن هذه التحديات تشمل طبيعة صناعة الخدمات المالية ذاتها  ، التي تتسم بكثافة الأطر التنظيمية والرقابية التي تحكم هذه الصناعة ، لا سيما في أعقاب الأزمة المالية العالمية، إضافة إلى الطبيعة الناشئة لهذه التقنيات ، وعدم اختبارها على نطاق واسع.

أضافت ، أنه من بين التحديات أيضا عدم اليقين بشأن الوضع القانوني والتنظيمي لهذه التقنية  وتباينه من دولة إلى أخرى، واعتبارات حماية البيانات والخصوصية ، ومخاطر الهجمات السيبرانية، علاوة على صعوبات التشغيل المتداخل  المحتملة  ، للجمع ما بين الأنظمة المختلفة لتقنية البلوكشين (Blockchain interoperability) ، وارتفاع تكاليف رأس المال المرتبطة بهذه التقنيات.

من جانب آخر، تطرقت الدراسة إلى الأطر التنظيمية الحاكمة لاستخدام هذه التقنية في القطاع المالي على مستوى العالم.

أوضحت الدراسة ، أنه على الرغم من التطور المتسارع لهذه التقنية فإنه لا يوجد إطار عالمي شامل ينظم ويحدد المعايير والمتطلبات الأساسية لاستخدام هذه التقنية في تقديم الخدمات المالية ، وبالتالي تختلف الأطر التنظيمية الحاكمة لها من دولة إلى أخرى، وهو ما يمثل تحدياً أمام تطور استخدامات هذه التقنية.

أشارت الى أنه لا يتوفر حالياً سوى مجموعة من الإرشادات المتضمنة في إطار الممارسات الحصيفة للتعامل مع التقنيات المالية ، وفق برنامج عمل بالي للتقنيات المالية الصادر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 2018  ، وهو الأمر الذي يؤكد على أهمية التفاعل الإيجابي من قبل السلطات الإشرافية مع التقنيات المالية ، في إطار يضمن سلامة واستقرار النظم المالية.

توقعت الدراسة أن يستفيد التقدم المحرز على صعيد عملية صنع السياسات في هذا المجال من الجهود الحالية الرامية إلى توحيد المعايير الخاصة بتقنية البلوكشين من قبل الشبكة المعلوماتية العالمية،  التي تعد واحدة من أقدم الهيئات التي تركز على توحيد المعايير الخاصة بهذه التقنية، إلى جانب الجهود المبذولة من قبل المنظمة الدولية للمعايرر ، التى تعمل على إصدار المعيار القياسي ISO307 الخاص بتقنية البلوكشين.

” على مستوى السلطات الإشرافية يتباين النهج المتبع للتعامل مع هذه التقنيات ويأخذ ثلاثة أشكال ” ، بحسب الدراسة

أوضحت أن الشكل الأول يتمثل في نهج الترقب والانتظار، حيث ترى بعض السلطات الإشرافية أن هذه التقنيات تمثل نموذجاً جديداً للأعمال ، ينطوي على تقديم خدمات مالية دون وسطاء ماليين، لذلك فهم يفضلون جمع البيانات ومراقبة نماذج الأعمال لتقييم المخاطر المحتملة ، ثم صياغة الإطار التنظيمي المناسب.

وبحسب الدراسة ، فإن ميزة هذا النهج تتمثل في تجنب التنظيم غير الدقيق لهذه التقنية، في حين تتمثل عيوب هذا النهج في عدم وضوح موقف السلطات الإشرافية من هذه التطورات ، بما قد يحد من فرص تطوير هذه التقنية، بالإضافة إلى خطر التعرض لتهديدات جراء عدم تنظيم هذه التقنية بشكل ملائم.

أشارت الى أن النهج الثاني يتمثل في اتجاه السلطات الإشرافية إلى تأسيس مختبرات تنظيمية (Regulatory Sandboxes)  ، لاستكشاف الفرص المرتبطة باستخدام هذه التقنية في الخدمات المالية ، وبما يساعد على توفير البيئة الملائمة لتطوير هذه التقنيات ويوفر للسلطات الإشرافية فهماً أدق لطبيعة عمل هذه التقنيات، وهو ما يسهل عليها مهمة صياغة الإطار التنظيمي والرقابي الملائم لها.

لفتت الدراسة الى أن هناك العديد من الأمثلة على هذا النهج  ، مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والاتحاد الأوروبي وسنغافورة وسويسرا ولوكسمبورج والعديد من الدول العربية.

وبحسب الدراسة ، فإن النهج الثالث يتمثل في الإسراع بسن قوانين وأطر تنظيمية لهذه التقنية، لافتة الى أنه رغم  الافتقار إلى فهم ومعايير موحدة لهذه التقنية، فقد بادرت بعض السلطات الإشرافية بسنّ القوانين واللوائح المتعلقة باستخدام تقنية البلوكشين في تقديم الخدمات المالية.

وفيما يتعلق باستخدامات البلوكشين في تقديم الخدمات المالية في الدول العربية ودور صندوق النقد العربي في هذا الصدد، أوضحت الدراسة أن التحول الرقمي يعتبر جزءً لا يتجزأ من الرؤى المستقبلية والإستراتيجية للعديد من البلدان العربية، حيث يُعد ذلك بمثابة عامل تمكين كبير للتنويع الاقتصادي وزيادة مستويات مرونة وتنافسية الاقتصادات العربية.

أوضحت ، أنه في هذا السياق، هناك العديد من المبادرات للاستفادة من تطور استخدام البلوكشين في تقديم الخدمات المالية في الدول العربية.

ففي الامارات، تبنى سوق أبوظبي العالمي استراتيجية للتقنيات المالية الحديثة لتشجيع تطبيقات البلوكشين في تقديم الخدمات المالية ، من خلال إنشاء مختبر تنظيمي ، يدعم تطوير مثل هذه التطبيقات ، ويعتبر الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي إطار هذا المختبر أعلن سوق أبوظبي العالمي في أوائل عام 2018 عن بدء تطوير منصة إلكترونية داعمة لنظام أعرف عميلك(e-KYC)  ، بالتعاون مع أكبر المؤسسات المالية في الإمارات باستخدام تقنية البلوكشين  ، وهو ما سوف يدعم كفاءة القطاع المصرفي ويساعد على زيادة الشمول المالي.

وفي مجال العملات الرقمية، أشارت الدراسة ، الى قيام مؤسسة النقد العربي السعودي والمصرف المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا بإطلاق مشروع “عابر” لإصدار عملة رقمية يتم استخدامها بين المملكة والإمارات في التسويات المالية من خلال تقنيات سلاسل الكتل والسجلات الموزعة.

وبحسب الدراسة ، فإن هذا المشروع يهدف إلى فهم ودراسة أبعاد التقنيات الحديثة وجدواها عن كثب من خلال التطبيق الفعلي ، ومعرفة مدى أثرها على تحسين وخفض تكاليف عمليات التحويل ، وتقييم المخاطر التقنية وكيفية التعامل معها، إلى جانب تأهيل الكوادر التي ستتعامل مع تقنيات المستقبل، وفهم متطلبات إصدار عملة رقمية تُستخدم بين دولتين.

كما يسهم هذا المشروع فى إيجاد وسيلة إضافية لنظم التحويلات المركزية في البلدين، وإتاحة المجال أمام البنوك للتعامل مع بعضها البعض بشكل مباشر لتنفيذ التحويلات المالية ، ويمثل هذا التعاون سابقة ربما تعتبر الأولى من نوعها التي تتعاون فيها سلطتان نقديتان في هذا الشأن.

من ناحية أخرى، قالت الدراسة ، أن تونس تعتبر من أوائل دول العالم التي تبنت نظام دفع إلكتروني تديره الدولة  ، إستناداً إلى تقنية البلوكشين، حيث قررت تونس في عام 2015 تعزيز عملتها الرقمية eDinar باستخدام تقنية البلوكشين  ، بالبناء على الإنجازات السابقة المُحققة من قبل البريد التونسي  ، الذي يعد رائداً في مجال الشمول المالي  ، من خلال تعزيز توفير الخدمات الرقمية.

وفى تونس يتوفر لمعظم البالغين حساب لدى البريد التونسي، في حين لا يزال هناك 3 ملايين من البالغين ليس لديهم حسابات مصرفية.

و تتمثل الرؤية الوطنية في تونس فى الإعتماد على تقنية البلوكشين لتقديم الخدمات المالية للقطاعات التي لا تستطيع النفاذ إلى الخدمات المالية ، لذلك تتعاون الحكومة مع شركات البلوكشين لتوفير بيئة متكاملة داعمة للمدفوعات الرقمية استناداً إلى هذه التقنية.

وبحسب الدراسة ، فإن استخدام تقنية البلوكشين في الدول العربية لا يقتصر على الخدمات المالية فقط ، مشيرة الى أنه في الإمارات، تهدف استراتيجية البلوكشين في إمارة دبي إلى استخدام هذه التقنية في تقديم الخدمات الحكومية، حيث سيتم تقديم كافة الخدمات الحكومية في دبي من خلال هذه التقنية بحلول عام 2020، وهو ما يتوقع ان يحقق وفراً اقتصادياً بواقع 1.5 مليار دولار سنوياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى